«علبة الحليب أصبحت فاسدة، ولا يمكنك استخدامها مرةً أخرى».
بريد إلكتروني من الثلاجة.
هكذا استيقظ صاحبنا على رسالة واردة من الثلاجة عبر البريد الإلكتروني تخبره فيها بفساد علبة الحليب. لم يأبه صديقنا لهذه الرسالة، فالحليب ليس من مفضلاته، وبين سيلٍ من الإشعارات من تطبيقات الموسيقى التي تخبره باقتراب صدور أغنية لمطربه المفضل، وتطبيقات السينما التي توفر عليه عناء الذهاب لمشاهدة فيلم جديد، كان هناك إشعار من أحد تطبيقات كرة القدم.
«3-3» هكذا انتهت مباراة أمس بين مانشستر سيتي وريال مدريد في إياب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، وهي المباراة التي فوتها صاحبنا طواعيةً مفضلاً أن يعرف النتيجة ويشاهد الأهداف صبيحة اليوم التالي.
انتظر لحظة، كرة القدم في ورطة، كان هذا هو الإشعار الذي تلى نتيجة المباراة، لكن صاحبنا لم يلقِ له بالاً أيضًا. انتظر حقًا، كرة القدم في ورطة حقيقية.
https://x.com/SHE5WN6ON/status/1162145628039917568
لأن الثلاجة تُدرك ما لا تُدركه كرة القدم
يستفيق صاحبنا من نومه وبينما يُعد خطةً لمجريات يومه، تأتيه رسالة من أحد أقاربه يسأله إن كان لديه الرغبة في مشاهدة مباراة برشلونة وباريس سان جيرمان على أحد المقاهي، لكنه يرفض معللاً أنه لا يود مغادرة غرفته اليوم، وأن كافة خططه لليوم تنحصر ما بين سريره وحاسوبه الشخصي وهاتفه.
تخبرنا إحصاءات موقع «Data Camp» أن دوري كرة القدم الأمريكية يمتلك حوالي 400 مليون متابع حول العالم، وتمتلك لعبة التنس أكثر من مليار متابع، ويُقدر متابعي كرة القدم بحوالي 3.5 مليار شخص حول العالم، ما يجعلها وذويها الرياضة الأشهر حول العالم.
بل إن 17 من أصل أكثر 20 رياضيًا متابعة على وسائل التواصل الاجتماعي، هم لاعبي كرة قدم، مع تواجد النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو على رأس قائمة الأشخاص الأكثر متابعة على موقع إنستجرام حول العالم، كما يحظى نادي برشلونة الإسباني بكونه الفريق الأكثر متابعة في كل الرياضات المختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي.
فهل تعطينا هذه الإحصاءات السابقة دلالة حول حجم لعبة كرة القدم الحقيقي؟ وما علاقة صاحبنا وثلاجته بهذه الإشكالية؟
ليست مجرد رياضة: كرة القدم في مواجهة وسائل الترفيه الأخرى
الإجابة على السؤال الماضي أن هذه الأرقام مجردة، ولا تقربنا حتى من الإجابة، وللحصول على إجابة وفهم أكثر اكتمالاً ينبغي علينا أن نرى كيف يمكننا مقارنتها بمنافسيها الآخرين في قطاع الترفيه؟
وفقًا لموقع «entrepreneur» ففي مجال الحفلات الموسيقية الحية على سبيل المثال باعت أفضل 100 حفلة موسيقية حية على مستوى العالم أكثر من 60 مليون تذكرة عام 2019، بينما باع أفضل 80 فريق كرة قدم في العالم حوالي 50 مليون تذكرة للمباريات في الفترة ذاتها.
وفي الوقت ذاته باعت شركة ديزني المسؤولة عن إنتاج « أفلام الأنيمايشن» ما يقرب من نصف مليار تذكرة مستحوذة على 38% من سوق وسائل الترفيه في العالم.
https://x.com/DataCamp/status/1202226343196471296
ليست بهذا الحجم الذي تعتقده؟ تمهل قليللاً، لا تُعطينا المقارنة السابقة سوى خطٍ واحد لمحاولة استشفاف إجابة سؤالنا، لذا دعنا نتعمق أكثر.
وهم البريميرليج
دائمًا ما يُنظر إلى كرة القدم وذويها إلى أنها مرتع للفساد المالي، وكثيرة هي القضايا التي تتناول هذا الشأن، لكن لم يسلط أحد الضوء على أن حجم الإيرادات التي تحققه اللعبة ليس بقريب حتى من المُتوقع وفقًا لحجم اللعبة وقاعدتها الجماهيرية.
وفقًا لرابطة الدوري الإنجليزي فإن البريميرليج وصل لحوالي 1.87 مليار مشاهدًا حول العالم في موسم 2023-2024، مع أكثر من 3.5 مليار متابع للعبة حول العالم.
في عام 2023 قُدرت أرباح الدوريات الخمسة الكبرى مجتمعة 18.155 مليار دولار، رقم غريب مع وجود 3.5 مليار عميل محتمل حول العالم.
وإذا كنت تعتقد أن 33 مليار دولار رقم ضخم، دعني أخبرك أن إيرادات شركة ديزني تجاوزت 89 مليار دولارفي نفس العام. بينما حققت META المالكة شركة لفيسبوك، من 2.98 مليار مستخدم، أرباحًا تُقدر ب 134 مليار دولار في العام ذاته. نزيدك من الشعر بيتًا، ونخبرك أن شركة آبل من من حوالي مليار ونصف عميل حققت أرباحًا تُقدر بـ 383 مليار دولار.
قد يكون من غير العادل مقارنة لعبة ككرة القدم بشركات التكنولوجيا الضخمة، لكن الأكيد أن كرة القدم تعاني الأمرين في حجم الإيرادات ذاك، فما السبب وراء ذلك؟
معضلة الجيل Z
نعود إلى صديقنا وثلاجته في بداية القصة، فهما جواب السؤال الماضي. لم يعد هناك أي غرابة في الأمر الآن أن ترسل لك الثلاجة رسالة بحالة كل ما بداخلها، وأن تتنافس شركات التكنولوجيا والترفيه في تطوير منتجاتها من أجل جذب أكبر فئة من الجيل الجديد، وبالتالي تحقيق عائدات أكبر، لكن كرة القدم لا تزال أقل وعيًا بهذا الجيل ومتطلباته وكسله إن صح التعبير.
في الواقع تقتصر أندية كرة القدم على ثلاث مصادر رئيسية للإيرادات، وهما البث التلفزيوني، والمنتجات الرياضية الخاصة بها، وعوائد يوم المباراة. قد تحظى أندية بشعبية ضخمة حول العالم لكنها لا تحقق من هذه الجماهيرية سوى الفتات بسبب بعد المسافات.
ارتفعت عائدات الدوري الإنجليزي من البث التلفزيوني من 45 مليون يورو عام 1992 لـ 3 مليار يورو عام 2020، وبالرغم من أن ذلك أمر مثير للإعجاب؛ إلا أنه لا يزال رقم ضئيل فهو لا يعادل سوى 1 يورو تقريبًا من كل مشجع في الموسم الواحد.
وفقًا لمجلة ذا جارديان فإن أحد المعضلات الرئيسية التي تعانيها كرة القدم هي مشكلة الوسيط، وبأخذ مبيعات قمصان اللاعبين كمثال، فقد يُباع القميص الواحد بمبلغ 100 يورو، لكن النسبة الأكبر تذهب للوسيط التجاري مثل نايكي وأديداس وخلافه، وينطبق هذا أيضًا على البث التلفزيوني، وكل ما يخص عوائد كرة القدم.
والسؤال الآن، كيف تسد كرة القدم هذه الفجوة؟
ميكي ماوس لديه الجواب: الحل في التكامل الرأسي
قبل عام 2019 إذا رغب أحدهم في مشاهدة أفلام ديزني كان عليه الاشتراك في أحد تطبيقات متعدده مثل نتفلكس أو سكاي موفز وغيرها، لكن ديزني أدركت أن هناك خللً ما في ذلك، وأنه يمكنها جني أموال كثيرة إذا قامت بتجميع محتواها في منصة واحدة، باشتراكٍ واحد، ودون وسيط.
في نوفمبر 2019 أطلقت ديزني تطبيق ديزني بلس، وهو التطبيق الذي يضم أكثر من 116 مليون مشترك حول العالم، ما فعلته ديزني يسمى بالتكامل الرأسي، وهو باختصار توزيع المنتج دون وسيط، بآلية تسمح لانتشاره وسط العامة.
https://x.com/DisneyPlus/status/1793689599539057066?t=15gKfr54oUJQkTiUt41JsA&s=08
في كرة القدم هناك محاولات وليدة لتجاوز عقبة الوسيط تلك، والتقرب إلى المشجعين أكثر من خلال إطلاق الأندية شركات إعلامية خاصة بها مقابل رسوم قليلة، أو حتى مجانًا، وكذلك تلفزيونات البث لناديي برشلونة ومانشستر يونايتد أمثلة على ذلك.
تُتيح الأندية من خلال هذه الخدمات للمشجعين إمكانية الوصول إلى المحتوى الحصري والأخبار العاجلة الخاصة بها، وهذا لا يمنح الأندية قاعدة جماهيرية فحسب، وإنما كم مهول من البيانات يمكنها من فهم أعمق لعقلية مشجيعها، وبالتالي تطويع ذلك في خدمات إعلانية مربحة، وتعزيز بيع المنتجات الخاصة بالنادي، والأهم هو الاستغناء عن الوسطاء.
إذًا يمكننا الآن إجابة سؤالنا، كرة القدم قطعًا هي اللعبة الشعبية الأولى في العالم، لكن حجم إيراداتها مقارنةً بهذه الشعبية يحتاج إلى إعادة النظر من كل المؤسسات المسؤولة عن اللعبة، وإعادة النظر كذلك في طريقة تعاملها مع صديقنا ذاك وجيله، وسؤالنا لك نهايةً هل لازالت كرة القدم بالنسبة لك هي مصدر الرفاهية الأول -إن كانت كذلك من قبل- أم تغيرت أولوياتك؟
# كرة القدم العالمية # البث التلفزيوني # الدوري الإنجليزي الممتاز # فيسبوك # آبل # والت ديزني